فصل: قال الثعالبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفخر:

اعلم أن القول لما ثبطوا الراغبين في الجهاد بأن قالوا: الجهاد يفضي إلى القتل، كما قالوا في حق من خرج إلى الجهاد يوم أحد، والقتل شيء مكروه، فوجب الحذر عن الجهاد، ثم إن الله تعالى بين أن قولهم: الجهاد يفضي إلى القتل باطل، بأن القتل إنما يحصل بقضاء الله وقدره كما أن الموت يحصل بقضاء الله وقدره، فمن قدر الله له القتل لا يمكنه الاحتراز عنه، ومن لم يقدر له القتل لا خوف عليه من القتل، ثم أجاب عن تلك الشبهة في هذه الآية بجواب آخر وهو أنا لا نسلم أن القتل في سبيل الله شيء مكروه، وكيف يقال ذلك والمقتول في سبيل الله أحياه الله بعد القتل وخصه بدرجات القربة والكرامة، وأعطاه أفضل أنواع الرزق وأوصله إلى أجل مراتب الفرح والسرور؟ فأي عاقل يقول إن مثل هذا القتل يكون مكروها، فهذا وجه النظم. اهـ.

.اللغة:

{يستبشرون} يفرحون وأصله من البشرة لأن الإنسان إذا فرح ظهر أثر السرور في وجهه.
{القرح} بالفتح الجرح وبالضم ألم الجرح وقد تقدم.
{حسبنا} كافينا مأخوذ من الإحساب بمعنى الكفاية، قال الشاعر:
فتملأ بيتنا أقطا وسمنا ** وحسبك من غنى شبع وريء

{حظا} الحظ: النصيب ويستعمل في الخير والشر، وإذا لم يقيد يكون للخير.
{نملي} الإملاء: التأخير والإمهال بطول العمر، ورغد العيش.
{يميز} يقال: ماز وميز أي فصل الشيء من الشيء، ومنه: {وامتازوا اليوم أيها المجرمون}.
{يجتبي} يختار.
{سيطوقون} من الطوق وهو القلادة أي يلزمون به لزوم الطوق في العنق. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

قال صاحب الكشاف: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ} الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لكل أحد وقرئ بالياء، وفيه وجوه:
أحدها: ولا يحسبن رسول الله.
والثاني: ولا يحسبن حاسب، والثالث: ولا يحسبن الذين قتلوا أنفسهم أمواتًا قال: وقرئ {تَحْسَبَنَّ} بفتح السين، وقرأ ابن عامر {قُتِلُواْ} بالتشديد والباقون بالتخفيف. اهـ.

.قال القرطبي:

إذا كان الشَّهيد حيًّا حُكمًا فلا يصلى عليه، كالحيّ حِسًّا.
وقد اختلف العلماء في غُسل الشهداء والصّلاة عليهم؛ فذهب مالك والشافعيّ وأبو حنيفة والثّوْريّ إلى غُسل جميع الشّهداء والصَّلاة عليهم؛ إلاَّ قتيلَ المُعتَرك في قتال العدوّ خاصة؛ لحديث جابر قال قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «ادفنوهم بدمائهم» يعني يوم أُحُد ولم يُغسِّلهم. رواه البخاريّ.
وروى أبو داود عن ابن عباس قال: «أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتلى أُحُد أن يُنزَع عنهم الحديدُ والجلودُ وأن يُدفَنُوا بِدمائهم وثيابهم» وبهذا قال أحمدُ وإسحاقُ والأوزاعيّ وداود بن عليّ وجماعةُ فُقَهاء الأمصار وأهل الحديث وابنُ عُلَيَّة.
وقال سعيد بن المُسَيّب والحَسَن: يُغسّلون.
قال أحدهما: إنما لن تُغَسِّل شهداء أُحُد لكثرتهم والشُّغل عن ذلك.
قال أبو عُمَر: ولم يقل بقول سعيد والحسن هذا أحد من فقهاء الأمصار إلاَّ عبيد الله بن الحسن العَنْبَري، وليس ما ذكروا من الشُّغل عن غُسل شهداء أُحُد علّة؛ لأن كل واحد منهم كان له وليٌّ يشتَغل به ويقوم بأمره.
والعلّة في ذلك والله أعلم.
ما جاء في الحديث في دمائهم «أنها تأتي يوم القيامة كريح الْمِسك» فَبَانَ أن العلّة ليست الشُّغل كما قال من قال في ذلك، وليس لهذه المسألة مدخل في القياس والنظر، وإنما هي مسألة اتباع للأثر الذي نقله الكافّة في قتلى أُحُد لم يُغسّلوا.
وقد احتج بعض المتأخرين ممن ذهب مذهب الحسن.
بقوله عليه السَّلام في شهداء أُحُد: «أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة» قال: وهذا يدل على خصوصهم وأنه لا يَشْرَكهم في ذلك غيرهم.
قال أبو عمر: وهذا يشبه الشذوذ، والقول بترك غُسلهم أولى؛ لثبوت ذلك عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قَتلى أُحُد وغيرهم.
ورَوى أبو داود عن جابر قال: رُمِيَ رجل بسهم في صدره أو في حلقه فمات فأدرِج في ثيابه كما هو.
قال: ونحن مع رسول صلى الله عليه وسلم.
وأما الصلاة عليهم فاختلف العلماء في ذلك أيضا؛ فذهب مالك واللّيث والشافعيّ وأحمد وداود إلى أنه لا يُصلّى عليهم؛ لحديث جابر قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد ثم يقول: «أيُّهما أكثر أخْدًا للقرآن؟ فإذا أُشير له إلى أحدِهما قدّمه في اللَّحد» وقال: «أنا شهيدٌ على هؤلاء يوم القيامة» وأمر بدفنهم بدمائهم ولم يُغسّلوا ولم يُصل عليهم وقال فقهاء الكوفة والبصرة والشام: يصلى عليهم. وروَوْا آثارًا كثيرة أكثرها مراسيل.
أن النبيّ صلى الله عليه وسلم صلّى على حمزة وعلى سائر شهداء أُحد.
وأجمع العلماء على أن الشّهيد إذا حُمل حَيًّا ولم يَمت في الْمعتَرَك وعاش وأكلَ فإنه يصلى عليه؛ كما قد صُنع بعمر رضي الله عنه.
واختلفوا فيمن قُتل مظلومًا كقتيل الخوارج وقُطّاع الطريق وشبه ذلك؛ فقال أبو حنيفة والثّوري: كل من قتل مظلومًا لم يُغسّل، ولكنه يصلى عليه وعلى كل شهيد؛ وهو قول سائر أهلِ العِراق.
ورَوَوْا من طُرِق كثيرةٍ صحاح عن زيد بن صُوحان، وكان قتل يوم الجَمَل: لا تَنزِعوا عنّي ثوبًا ولا تَغسِلوا عني دَمًا.
وثبت عن عمار بن ياسر أنه قال مثلَ قول زيد ابن صُوحان.
وقُتل عمار بن ياسِر بِصفّين ولم يغسّله عليّ.
وللشافعي قولان: أحدهما يُغسّل كجميع الموتى إلا من قتله أهل الحرب؛ وهذا قول مالك.
قال مالك: لا يُغسّل من قتله الكفار ومات في المُعترك.
وكل مقتول غيرِ قتيلِ المُعتَرك قتيل الكفار فإنه يُغسّل ويُصلَّى عليه.
وهذا قول أحمد ابن حنبل رضي الله عنه.
والقول الآخر للشافعيّ لا يُغسّل قتيل البُغاة.
وقول مالك أصحّ؛ فإنّ غُسل الموتى قد ثبت بالإجماع ونَقْلِ الكافّة.
فَواجبٌ غُسلُ كلِّ ميت إلا من أخرجه إجماعٌ أو سُنّةٌ ثابتة.
وبالله التوفيق.
العدوّ إذا صبّح قومًا في منزلهم ولم يَعلموا به فقتَلَ منهم فهل يكون حكمه حكم قتيل المعتَرك، أو حكم سائر الموتى؛ وهذه المسألة نزلت عندنا بقُرطُبَة أعادها الله: أغَارَ العدوّ قَصَمه الله صَبيحَةَ الثّالثِ من رَمضانَ المُعظّم سنةَ سَبعٍ وعشرين وسِتّمائة والناس في أجْرانهم على غَفلة، فقتَل وأسَر، وكان من جُملة من قُتل والدي رحمه الله؛ فسألت شيخنا المقرئ الأُستاذ أبا جعفر أحمد المعروف بأبي حجة فقال؛ غَسّله وصلّ عليه، فإن أباك لم يُقتَل في المُعتَرك بين الصَّفين.
ثم سألت شيخنا ربيعَ بن عبد الرحمن بن أحمد بن ربيع بن أُبيّ فقال: إن حكمه حكم القتلى في المعترك.
ثم سألت قاضي الجماعة أبا الحسن عليّ بن قطرال وحوله جماعة من الفقهاء فقالوا: غسّله وكفّنه وصلّ عليه؛ ففعلت.
ثم بعد ذلك وقَفتُ على المسألة في التّبصرة لأبي الحسن اللّخميّ وغيرها، ولو كان ذلك قبل ذلك ما غسّلته، وكنت دفنته بدمه في ثيابه. اهـ. بتصرف يسير.

.قال الفخر:

قوله: {بَلْ أَحْيَاء} قال الواحدي: التقدير: بل هم أحياء، قال صاحب الكشاف: قرئ {أَحْيَاء} بالنصب على معنى بل أحسبهم أحياء.
وأقول: إن الزجاج قال: ولو قرئ {أَحْيَاء} بالنصب لجاز على معنى بل أحسبهم أحياء، وطعن أبو علي الفارسي فيه فقال: لا يجوز ذلك لأنه أمر بالشك والأمر بالشك غير جائز على الله، ولا يجوز تفسير الحسبان بالعلم لأن ذلك لم يذهب إليه أحد من علماء أهل اللغة، وللزجاج أن يجيب فيقول: الحسبان ظن لا شك، فلم قلتم أنه لا يجوز أن يأمر الله بالظن، أليس أن تكليفه في جميع المجتهدات ليس إلا بالظن.
وأقول: هذه المناظرة من الزجاج وأبي علي الفارسي تدل على أنه ما قرئ {أَحْيَاء} بالنصب بل الزجاج كان يدعي أن لها وجها في اللغة، والفارسي نازعه فيه، وليس كل ما له وجه في الإعراب جازت القراءة به. اهـ.
قال الفخر:
فيه وجوه:
أحدها: بحيث لا يملك لهم أحد نفعا ولا ضرا إلا الله تعالى.
والثاني: هم أحياء عند ربهم، أي هم أحياء في علمه وحكمه، كما يقال: هذا عند الشافعي كذا، وعند أبي حنيفة بخلافه.
والثالث: أن {عِندَ} معناه القرب والإكرام، كقوله: {وَمَنْ عِنْدَهُ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ} [الأنبياء: 19] وقوله: {الذين عِندَ رَبّكَ} [الأعراف: 206]. اهـ.

.قال الثعالبي:

عن مَسْرُوقٍ قال، سَأَلْنَا ابْنَ مَسْعُودٍ عن هذه الآية: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الذين قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله أمواتا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبّهِمْ يُرْزَقُونَ}، فقال: أَمَّا أَنَا، فَقَدْ سَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ، يَعْنِي النبيَّ صلى الله عليه وسلم: «أَرْوَاحُهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ، لَهَا قَنَادِيلُ مُعَلَّقةٌ بِالعَرْشِ، تَسْرَحُ مِنَ الجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ، ثُمَّ تَأْوِي إلى تِلْكَ القَنَادِيلِ...» الحديثَ إلى آخره اهـ.
ومن الآثار الصحيحةِ الدالَّة على فَضْلِ الشُّهداءِ ما رواه مالكٌ في الموطَّإ؛ أنه بلَغَهُ أنَّ عمرو بْنَ الجَمُوحِ، وعبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو الأنصارِيَّيْنِ ثُمَّ السُّلَمِيَّيْنِ كَانَا قَدْ حَفَرَ السَّيْلُ قبرهما، وكان قَبْرُهما ممَّا يَلِي السَّيْلَ، وكانا في قَبْرٍ واحدٍ، وهما مِمَّن استشهد يَوْمَ أُحُدٍ، فحفر عنهما ليغيَّرَا مِنْ مَكَانِهِمَا، فَوُجِدَا لم يُغَيَّرا، كأنما ماتا بالأمْسِ، وكان أحدُهُما قَدْ جُرِحَ فَوَضَعَ يَدَهُ على جُرْحِهِ، فَدُفِنَ، وهو كذلك، فَأُمِيطَتْ يده عَنْ جُرْحِهِ، ثم أرْسِلَتْ، فَرَجَعَتْ، كما كانَتْ، وكان بَيْنَ أُحُدٍ، وبَيْنَ يَوْمَ حُفِرَ عَنْهُمَا سِتٌّ وأربعون سنَةً، قال أبو عمر في التمهيد: حديثُ مالكٍ هذا يتَّصلُ من وجوهٍ صحاحٍ بمعنى واحدٍ متقاربٍ، وعبد اللَّه بن عمرو هذا هو والدُ جابرِ بنِ عبدِ اللَّهِ، وعَمْرُو بْنُ الجَمُوحِ هو ابنُ عَمِّه، ثم أسند أبو عمر، عن جابرِ بنِ عبْدِ اللَّهِ، قال: لما أراد معاويةُ أنْ يُجْرِيَ العَيْنَ بأُحُدٍ، نُودِيَ بالمدينةِ: مَنْ كان له قتيلٌ، فليأت قتيله، قال جابرٌ: فأتيناهم، فأخرجْنَاهم رطَابًا يَتَثَنَّوْنَ، فأصابَتِ المِسْحَاةُ أُصْبُعَ رَجُلٍ مِنْهُمْ، فانفطرت دَمًا، قال أبو سعيدٍ الخُدْرِيُّ: «لاَ يُنْكِرُ بَعْدَ هَذَا مُنْكَرٌ أَبدًا» وفي رواية: «فاستخرجهم يعني: معاويةَ، بعد سِتٍّ وأربعين سنَةً لَيِّنَةً أجسادُهم، تتثنى أطرافهم»، قال أبو عمر: الذي أصابَتِ المِسْحَاةُ أصبُعَهُ هو حمزةُ رضي الله عنه.
ثم أسند عَنْ جابِرٍ قال: رأَيْتُ الشهداءَ يَخْرجُونَ على رِقَابِ الرجَالِ؛ كأنهم رجَالٌ نُوَّمٌ؛ حتى إذا أَصَابَتِ المِسْحَاةُ قَدَمَ حمزةَ رضي الله عنه: «فانثعبت دَمًا» انتهى. اهـ.

.قال ابن كثير:

عن مسروق قال: سألنا عبد الله عن هذه الآية: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} فقال: أما إنَّا قد سألنا عن ذلك فقال: «أَرْوَاحُهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ لَهَا قَنَادِيلُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ، تَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ، ثُمَّ تَأْوِي إِلَى تِلْكَ الْقَنَادِيلِ، فَاطَّلَعَ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ اطِّلاعَةً فَقَالَ: هَلْ تَشْتَهُونَ شَيْئًا؟ فَقَالُوا: أَيَّ شَيْءٍ نَشْتَهِي وَنَحْنُ نَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شِئْنَا؟ فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّهُمْ لَنْ يُتْرَكُوا مِنْ أَنْ يُسْأَلُوا قَالُوا: يَا رَبِّ، نُرِيدُ أَنْ تَرُدَّ أَرْوَاحَنَا فِي أَجْسَادِنَا حَتَّى نُقْتَلَ فِي سَبِيلِكَ مَرَّةً أُخْرَى، فَلَمَّا رأى أَنْ لَيْسَ لَهُمْ حَاجَةٌ تُرِكُوا». وقد روي نحوه عن أنس وأبي سعيد.
حديث آخر: قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الصمد، حدثنا حَمَّاد، حدثنا ثابت عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَا مِنْ نَفْسٍ تَمُوتُ، لَهَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ، يَسُرُّهَا أَنْ تَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا إِلا الشَّهِيدُ فَإِنَّهُ يَسُرُّهُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا فَيُقْتَلَ مَرَّةً أُخْرَى لِمَا يَرَى مِنْ فَضْلِ الشَّهَادَةِ». انفرد به مسلم من طريق حماد.
حديث آخر: قال الإمام أحمد: حدثنا علي بن عبد الله المديني، حدثنا سفيان، عَن محمد بن علي بن رَبيعة السلمي، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر قال: قال لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أما عَلِمْتَ أَنَّ اللَّهَ أَحْيَا أَبَاكَ فَقَالَ لَهُ: تَمَنَّ عَلَيَّ، فَقَالَ لَهُ: أُرَدُّ إِلَى الدُّنْيَا، فَأُقْتَلُ مَرَّةً أُخْرَى، فَقَالَ: إِنِّي قَضَيْتُ الْحُكْمَ أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لا يُرْجَعُونَ». انفرد به أحمد من هذا الوجه.
وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما أن أبا جابر-وهو عبد الله بن عَمْرو بن حَرام الأنصاري رضي الله عنه-قتل يوم أحد شهيدا. قال البخاري: وقال أبو الوليد، عن شعبة عن ابن المُنْكَدِر قال: سمعت جابرا قال: لما قُتِل أبي جعلتُ أبكي وأكشفُ الثوب عن وجهه، فجعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينْهَوني والنبي صلى الله عليه وسلم لم يَنْه، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تَبْكِهِ- أو: مَا تَبْكِيهِ- ما زَالَتِ الْملائِكَةُ تُظِلُّهُ بِأجْنِحَتِها حَتَّى رُفِعَ». وقد أسنده هو ومسلم والنسائي من طريق آخر عن شعبة عن محمد بن المنكدر عن جابر قال: لما قتلَ أبي يوم أحد، جعلت أكشف الثوب عن وجهه وأبكي... وذكر تمامة بنحوه.